فى آخر بيت من بيوت حارتنا على الجانب الذى لم يصله ضؤ الشمس من قبل ، ومن خلف النافذة بمستوى الأرض والتى تشابكت قضبانها على هيئة أغصان لها أوراق حديدية صدئة نمت فى العتمة فخرجت لها لون الظلال الرمادى القاتم ، كانت عينيها تلمعان فى الظلام القابع بالداخل - وكأنها تضئ بذاتها - تتلصص علينا ونحن نلعب فى صخب ، وقتها نعلم أن (( الغولة )) رأتنا ...
**************
خلف شيش الشباك المطل على الشارع انتظرها لتخرج كما فى كل ليلة حاملة الصينية النحاسية المغطاه بالملح ، لا يضئ ظلامها إلا شمعة مثبتة فى وسط الصينية ، الشمعة تضئ كل ما حولها ورغم ذلك كانت الظلال هى الثوب الذى أختارته ليبعدها عن الأنظار ...
تنثر الملح بيدها على الأرض وتغنى بصوت خفيض : (( لما قالوا جالى الولد ، اتشد ضهرى واتسند ..... لما قالوا جالى الولد ، اتشد ضهرى واتسند )) ، وقبل أن يحاول الضؤ خرق الهدنة القصيرة مع الظلام تختفى داخل طيات البيت كأن لم تكن ....
فى الصباح أسأل أمى عنها بعينين مثقلتين فتجيب بلهجة مبالغ فيها : (( دى أمنا الغولة ....)) وتجيب جدتى - الأكثر حكمة - : (( ست غلبانة ... واخدها الحزن .... )) ، بينما تشتركان فى تحذيرى : (( إياك تقرب منها ..... )) ....
*************
تموت الغولة ، ويسرقنى العمر بعيداً عن الحارة ويعيدنى إليها ، لأجد الغناء لم يتوقف ، والملح مازال على الأرض والضوء لم يصل بعد للبيت......
تمت
sherif anwar
7/2009
kafr 3ashri