لم يعرف بيوت النهار قط، ينتظر حتى يختفى شفق الغروب الشاحب ليبدأ المسير ببطء
.
الليل ستار " ... هكذا كان يقول" .
فى المساء تتحاذى البيوت بجوار جدران الليل ، تختفى بقع الحيطان ،كل العطب ، كل السباب البذئ و كلام الحب المكتوب بخطوط خائفة ، مترددة .
تصبح البيوت كائن محايد تماما ، لايفلح حتى نور الأعمدة المصفر فى فضح ملامح وجهه.
فقط فى صباحات الشتاء الرمادية ، حيث يتوقف المطر الهارب من السحب حين يرى عيوب الأرض القريبة ،يخرج ليسير وسط عشش الصفيح التى تخنق الممرويصعد معه لأعلى تاركاً خلفه البيوت المطلية بالضباب .
لا صوت سوى للهواء يعوى بين قطع الصفيح الملتوية ، ولا لون للفجر بعد .
يخرج من ضيق العشش لبراح التلة ، يجلس قرب الحافة ويغالب خوفه من الأماكن المرتفعة ولا ينظر للأسفل
"كل ما ياخدنى الهم اجيلك "
.
يبتلع الهواء برئتيه وينظر للمقام القريب.
يعلم ان الحجرة الصغيرة لاتحمل بين طياتها المعجزة ،ولاالكلام الموجه للمدفون بداخلها يجدى امام القدر ، إلا انه اعتاد ان بحكى له كلما احس بالضيق.
اليوم لم يستطع الكلام معه ،امسك بقطعة من الجير ومد يده للجدار
" مخنوق يامولانا "
.رمى بالقطعة فى الفراغ الكائن اسفل منه ،تمدد على الأرض ، وانتظر الرد .