Wednesday, July 15, 2009

الغولة


فى آخر بيت من بيوت حارتنا على الجانب الذى لم يصله ضؤ الشمس من قبل ، ومن خلف النافذة بمستوى الأرض والتى تشابكت قضبانها على هيئة أغصان لها أوراق حديدية صدئة نمت فى العتمة فخرجت لها لون الظلال الرمادى القاتم ، كانت عينيها تلمعان فى الظلام القابع بالداخل - وكأنها تضئ بذاتها - تتلصص علينا ونحن نلعب فى صخب ، وقتها نعلم أن (( الغولة )) رأتنا ...

**************

خلف شيش الشباك المطل على الشارع انتظرها لتخرج كما فى كل ليلة حاملة الصينية النحاسية المغطاه بالملح ، لا يضئ ظلامها إلا شمعة مثبتة فى وسط الصينية ، الشمعة تضئ كل ما حولها ورغم ذلك كانت الظلال هى الثوب الذى أختارته ليبعدها عن الأنظار ...
تنثر الملح بيدها على الأرض وتغنى بصوت خفيض : (( لما قالوا جالى الولد ، اتشد ضهرى واتسند ..... لما قالوا جالى الولد ، اتشد ضهرى واتسند )) ، وقبل أن يحاول الضؤ خرق الهدنة القصيرة مع الظلام تختفى داخل طيات البيت كأن لم تكن ....
فى الصباح أسأل أمى عنها بعينين مثقلتين فتجيب بلهجة مبالغ فيها : (( دى أمنا الغولة ....)) وتجيب جدتى - الأكثر حكمة - : (( ست غلبانة ... واخدها الحزن .... )) ، بينما تشتركان فى تحذيرى : (( إياك تقرب منها ..... )) ....

*************

تموت الغولة ، ويسرقنى العمر بعيداً عن الحارة ويعيدنى إليها ، لأجد الغناء لم يتوقف ، والملح مازال على الأرض والضوء لم يصل بعد للبيت......




تمت
sherif anwar
7/2009
kafr 3ashri

Monday, July 6, 2009

حياة

عندما كنت صغيراً، لم اكن أعرف كيف أضحك.... هو من علمنى الضحك ....
****************
كانت يدى الصغيرة تستسلم لأصابعه الخشنة المتشققة ، فتترك لها امرها تأخذها حيث تشاء ، كنت اعلم ان لديه المزيد داذماً ...
كنت ما زلتأعدو نحو نهاية عقدى الأول حين كانت سنوات عمره تتهادى ببطأ – كبطأ مشيته المتمهلة – نحو الستين ، وبينما يتوقف الزمن عند ملامح وجهى لينحتها بقسوته المعتادة ، إكتفى بإبتسامة ودودة و إيماءة رأس وهو يمر أمامه ، كأنه صديق قديم ...
كان يبتسم حين يرى تململى من رحلة (( الترام الأصفر )) البطيئة جداً من (( القبارى )) الى (( المكس )) –حيث
كنا نصطاد – ويخبرنى انه هناك وقت لكل شئ ، ويخبرنى عن عشقه للبحر والذى دفعه وهو فى مثل سنى ان يترك عمله فى مكابس القطن ويعمل على المركب التى حملته الى (( ايطاليا )) وزيارته لفرنسا قبل العودة من جديد الى (( كفر عشرى )) وهو لا يزال شاباً يافعا ً ....
يحكى لى كيف أهتز (( كوبرى التاريخ )) من كثرة الناس الذين تجمعوا ليروا موكب الملك (( فاروق )) حين جاء ليفتتح مستشفى (( مينا البصل )) ويقسم لى أنه سلم على (( عبد الناصر )) حين كان يزور مستشفى العمال فى (( كرموز )) ....
كنت اتعجب عندما يشاركنا لعب الكرة فى مواجهة منافسينا من الحارات الأخرى فيبدو أصغر منا سناً ، فأشعر بأن التجاعيد تغزونى انا لا هو ...
شئ ما فيه كان مميز ، ربما انه عاش فى ذلك الزمان حين كان للناس حياة .... ، حين كان الناس أنفسهم .... حياة
....
***************
حين مات جدى بكى الجميع إلا هو ...... كان لازال يبتسم ......
SHICOOO
KAFR 3ASHRI
4-2008